- من هو المعد وكاتب السيناريو :ـ
بغض النظر عن لصقاء المهنة فإن المعد الإذاعي والتلفزيوني وكاتب السيناريو هو شخصية يجب أن تتوافر فيها مجموعة من العوامل الصعبة التي تمكنه من امتلاك الأدوات والسيطرة عليها وتوظيفها التوظيف السليم ... فالطبيب على سبيل المثال مطلوب منه المعرفة في مجال الطب وفي معظم الأحيان في مجال تخصصه فقط كالنساء والولادة أو الجلدية أو الأطفال أو الباطنية وغيرها من التخصصات والمهندس مطلوب منه إتقان تخصص معين مدني أو كهربائي أو طرق أو مجاري أو تقنـي أو غيره من التخصصات الهندسية والمحامي مطلوب منه معرفة القانون وإتقان آلية الاستفادة منه في مذكراته ومرافعاته وعقوده وحتى المعلم الذي يوكل له إعداد الأجيال مطلوب منه المعرفة في تخصص واحد والتركيز فيه المعد التلفزيوني يجب أن تتوفر فيه معرفة كل شيء والإلمام بكل شيء والثقافة في كل شيء فهو المهندس حينما يعد برنامجا يختص بالهندسة والطبيب حينما يعد برنامجا يختص بالطب والمعلم حينما يعد برنامجا يختص بالتعليم والعامل حينما يعد برنامجا يختص بالعمال لأن المشاهد للتلفزيون والمستمع للإذاعة جمهور يحمل مختلف التخصصات والثقافات والأذواق.
ومن أهم الصفات التي يجب توفرها في المعد الموهبة وسعة الخيال وبغيرهما يستحيل على أي إنسان كان أن يكون معدا .
ويصنف المعدون وكتاب السيناريو حسب درجة الموهبة والخيال التي يمتلكها الفرد وهما العاملان الأساسيان اللذان يحددان إن كان المعد جيدا أم لا وبدرجتهما تتحدد درجة جودة المعد أما الأكاديمية والممارسة فليس سوى عاملان يصقلان الموهبة والخيال ويوجهانهما باتجاه القواعد السليمة للإعداد .
ويفترض في المعد تحري المعلومة الصادقة التي لاتقبل الخطأ لأن المشاهد والمستمع يثق فيما يتلقاه من جهازي الإذاعة والتلفزيون لذلك يجب أن تتوفر في المعد المعرفة التامة بسبل تأكيد المعلومة لأن الخطأ الصغير قد يكون قاتلا وقد يفقد المؤسسة التي يعمل بها مصداقيتها لدى المشاهد وبالتالي احترامه لها ومشاهدتها أو الاستماع إليها في وقت يشتعل فيه التنافس بين المؤسسات الإعلامية على جمهور واحد ينطق لغة واحدة في معظم الأحيان ولأن معظم المؤسسات الإعلامية في هذا العصر تعتمد على المعلن الذي يؤمن بمقياس المشاهدة والصدق يبقى للمعلومة الخاطئة ثمنها الفادح .
ومن الشروط الأساسية التي يجب أن تتوفر في شخصية المعد المقدرة على ابتكار الأفكار الجديدة الجيدة فالأفكار المتكررة أو المستنسخة أو المتشابهة قد تقود المشاهد للملل وعدم متابعة المادة خاصة وأنه يملك خيارات عديدة ويملك سهولة التنقل بينها عبر جهاز الريموت كنترول وهو يعيش وضعا تنافسيا صعبا فمئات وربما آلاف المؤسسات الإذاعية والتلفزيونية الناطقة بلغة واحدة تعمل يوميا على مدار الساعة بما يعني أن كل فكرة قد تكون مطروقة مما يضطره في معظم الأحيان لاستبعاد مئات الأفكار قبل الاستقرار على فكرة معينة .
ومن أهم ما يميز المعد تلك الحاسة الخفية بما يحسه المجتمع وما يريده المجتمع وما يجمع مختلف أمزجته ويكون ذلك ليس باختيار المادة فحسب وإنما أيضا بالمهارة في استخدام الأدوات وتوظيفها بما يثير اهتمام المشاهد أو المستمع وفي بعض البرامج بما يستفزه إيجابا ويرغمه على المشاركة طائعا خاصة في البرامج التي تعتمد المباشرة والمشاركة الجماهيرية أو التي تعتمد الرسائل النصية القصيرة في بنائها .
المتابعة والقراءة من الشروط التي يجب أن تحملها شخصية المعد فمتابعة الجديد من الاكتشافات العلمية والتكنولوجية والجديد في عالم الثقافة والطب والهندسة وكل مناحي الحياة إضافة للفعاليات الاجتماعية المختلفة ومتابعة الأحداث الحياتية والأنشطة الاجتماعية وكل جديد يطرأ إضافة لمتابعة البرامج التلفزيونية لزملائه المعدين تكسبه البعد التفكيري في الإتيان بالجديد فمدرب كرة القدم مثلا لو لم يتابع القوانين الجديدة التي يسنها الاتحاد ولم يتابع مباريات منافسيه ويقف على ماوصلوا إليه من قوة التدريب ومكامن ضعفهم وقوتهم لن يتمكن من وضع الخطط التي تؤهله للفوز بأية مباراة أو على الأقل تحقيق نتائج طيبة للفريق .
ومن المهم في شخصية المعد قراءته الصحيحة لمزاج المجتمع والقضايا الأساسية التي تحظى باهتمامه وامتلاكه المهارة الفائقة في معرفة الشريحة التي يريد مخاطبتها فالطبيب يشخص حالة مريضه قبل كتابة الوصفة الدوائية وبنتيجة الفحص والتشخيص الدقيق يعرف نوع الدواء الفعال ومقدار الجرعة وأوقاتها ومضاعفاتها وكيفية الحد من تأثيرات تلك المضاعفات كذلك المعد الجيد يجب أن يحتك بكافة طبقات المجتمع ويتلمس همومها ويحس بإحساسها ليضع الوصفة الإعدادية السليمة لبرنامجه أو مادته قبل كتابتها .
وعلى المعد أيضا أن يكون واعيا بسياسة القناة ومدركا لتوجهاتها شأنه شأن خطيب المسجد الذي يعرف خط خطبته والمفردات التي يستعملها والآيات التي يدعم بها موقفه والتوجيه الذي يعطيه لمستمعيه والخطوط الحمراء التي عليه تجنبها ويدرك كيفية الخروج عن خط الملل في حال جمود المادة المتناولة والأسلوب الذي ينتهجه في شد انتباه المتلقين .
ومن الصفات الضرورية لشخصية المعد معرفته بنوعية المراجع التي تتطلبها كل مادة مطروحة وكيفية الحصول على تلك المراجع وأيضا إلمامه باستخدام الانترنت كوسيلة تسهل أمامه آلية الحصول على الكثير من المعلومات وعدم اعتماده التام على المعلومة التي يتلقاها من الانترنت إلا بعد تأكيدها من مختص موثوق إضافة لمعرفته التامة بقانون النشر والمطبوعات وحقوق الملكية الفكرية وكافة القوانين التي تجنبه والمؤسسة التي ينتمي إليها أو يعمل لها مشاكل محتملة
ومن أهم مقومات المعد امتلاكه قائمة العناوين الخاصة به فهو يحتاج مجموعة هائلة في مختلف التخصصات ويستضيف مجموعات كبيرة في برامج متفرقة كضيوف أو حتى يستعين بهم كمؤكدين لمعلومات في مجال تخصصهم أو كمصدر موثوق لمعلوماته شأنه في ذلك شأن موظف العلاقات العامة الذي يملك مجموعة من العلاقات والعناوين التي تختصر أمامه الجهد والوقت وتمنحه السهولة في تنفيذ عمله
ومن أهم مقومات المعد امتلاكه الحاسة الخاصة التي تمثل النظرة البعيدة في الطرح والمفردات والجمل.... فعلى سبيل المثال أراد أحد المعدين أن يعد تقريرا قصيرا عن مصورا فوتوغرافيا أفنى عمره في التصوير والتوثيق..... وعند ذهابه إليه أجرى معه المقابلة المعهودة وشفع الموضوع بعدد من الصور ثم عرج لغرفة تكومت بها مجموعة كبيرة من الصور تناثرت هنا وهناك حتى ضاقت بها الغرفة .... قد يكون هدف المعد هو تعريف المشاهد بالكم الهائل الذي التقطته عدسة المصور حتى ضاقت به جدران الغرفة غير أن النتيجة قد تكون سلبية حينما يرى المشاهد كومات الصور التي وضعت بإهمال وبطريقة غير مرتبة ويكون انطباعه سلبيا عن المصور المهمل الذي أفنى عمره في التقاط الصور ولكنه لم يكلف نفسه عناء تنظيمها وترتيبها احتراما للشخوص والأمكنة التي تحملها تلك الصور ... ومثال آخر لهذه الحاسة أن يحاول المعد في برنامج وطني تصوير التقدم على أن الوطن كان بائسا فقيرا يعاني الإهمال والتخطيط والسليم حتى جاء النظام الحالي فامتلك عصا موسى التي جعلت وجه الوطن الأشبه بوجه قرد يتحول لجمال أشبه بجمال وجه سيدنا يوسف عليه السلام في كل مناحي الحياة ... فيتلقى المتلقي المعلومة بغضب لأن المعد لغى ما قدمه السابقون من جهود وخطوات تدرجت عبر من عقبوهم حتى الوصول لحالة اليوم .
مثل هذه الخطورة في عدم امتلاك الحاسة التوازنية للمعد غالبا ما تتضح جلية في البرامج الوثائقية والتوثيقية التي يقع بعض المعدين فيها تحت تأثير إرضاءات تنسيهم تلك الحاسة أو تلغيها وتجعلهم ينظرون لنصف الكوب فقط .... وهذه الحاسة تبين أيضا في استخدام الأمثال الشعوبية فمثلا في السودان وبعض الدول العربية يستخدمون المثل ـ ولد الفار يطلع حفار ـ وفي مصر وبعض الدول العربية يستخدمون ذات المعنى ويقولون ـ ابن الوز يطلع عوام ـ فلو استخدمت المثل السوداني في الخليج على سبيل المثال قد لايفهم منه تشبيه الأب بالابن في خصاله الحميدة ويقولون كيف تصف الأب بالفأر ؟؟؟
الحاسة الاستباقية هي التي تقود المعد لانتقاء عباراته وانتقاء مادة وطريقة الطرح من خلال فهمه العميق لما تتقبله أو ترفضه الشريحة المستهدفة وتقوده الحاسة أيضا للتفكير في أبعاد كل كلمة يكتبها وكل مادة يعدها والتفكير في إسقاطاتها وتفسيراتها المحتملة والمعد الجيد هو من يبعد عن العبارات الاحتمالية فمثلا عبارة ـ عكس ثقافة المجتمع ـ من الأفضل أن تستخدم بديلا عنها عبارة ـ إبراز ثقافة المجتمع ـ لأن كلمة عكس على سبيل المثال رغم صحة وشيوع استخدامها تحتمل أكثر من معنى وقد يكون معناها الآخر مناقضا تماما للمعنى المراد بها .
ومن الصفات الهامة في شخصية المعد أن يكون عنوانا لما يكتبه ويؤمن بما يطرحه فبعض المعدين يعدون ما لايؤمنون به ويكتبون على غير قناعاتهم فمثلا طلبت أحدى المؤسسات التلفزيونية من معدها أن يكتب ردا على قناة أخرى تحدثت عن سوق يقع في منطقة نفوذها بأنه كان في الماضي ملتقى لأصحاب الأرض وكان تاريخيا كأنه سوق عكاظ يجمع الناس ويتبادلون الشعر والبضائع فيه تحت ظل شجرة كبيرة ولكنه الآن ومع تقدم العمران وتقدم أسباب الحياة تمكنت منه الحداثة وانطفأ بريقه فأصبحت شجرته الكبيرة منطقة لقاء للعمال والطبقات الدنيا من المجتمع وما عاد يحمل ذلك البريق الذي كان عليه في الماضي ... وردا على هذا التقرير طلبت إدارة الجهاز المعني من أحد المعدين كتابة تقرير مناقض يثبت فيه أن السوق بشجرته الوارفة مازال يحتفظ بأصالته ورونقه فما كان من المعد إلا أن قام باستئجار عدد من الكومبارس لتصويرهم في ذلك الموقع وكتابة تقرير مناقض وهو يعلم تمام العمل أن لاأساس لصحة التقرير فكيف له بإقناع مشاهد بمادة لم يقتنع معدها بها .... إنها تبقى كتلك الأحداث التي سبقت سقوط النظام العراقي حينما كان وزير الإعلام يقول بأن بغداد صامدة وعلى خلفية الصورة تبين الدبابات الأمريكية متقدمة.
المصداقية إذا مهمة جدا للمعد وهي بالتالي تعني مصداقية المؤسسة التي يعمل بها وهي أيضا تحدد ملامح العلاقة بين المشاهد وبين ما يكتبه مستقبلا.
وتلخيصا لما ورد بإمكاننا تعريف المعد بخبير النبض الاجتماعي في كل صنوفه وتخصصاته وهو المعلم والمربي ومصدر المعلومة الصحيحة والرقيب على مصالح المجتمع الذاتية والغيرية ومعد الأجيال والمصلح الاجتماعي والنفسي والقيمي والمرآة الحقيقية للمجتمع .
وبالتأكيد تكون للممثل أو المذيع أو حتى الوجه الاعلامي في المجتمع شهرة كبيرة لأن الناس يرونه ويعرفون ملامحه ولكن وراء كل هؤلاء بناء ماهر وصانع لما اكتسبوه من شهرة هو المعد وكاتب السيناريو .. ولولا الكتاب والمعدين ما عرفنا نجوما سينمائيين أو تلفزيونيين أو إذاعيين ولما وجد الكثيرون ما وجدوه من شهرة فالمعد هو أول وأكثر من يعطي وآخر وأقل من يشتهر أو يستفيد .
مما تقدم نخلص إلى أن المعد شخصية يجب أن تتوفر فيها عدد من الصفات منها :-
الموهبة :-
وهي الأساس المتين الذي يتم صقله باكتساب المادة المعرفية الأكاديمية التي تقود لمعرفة التكنيكات والخفايا.
الإدارة :-
كل معد هو إداري جيد لأنه يدير المادة البرامجية ويملك القدرة على إدارة الأفكار وترتيبها وإدارة عقول المشاهدين نحو القيم الإنسانية الصادقة
التنظيم :-
أن يملك القدرة على تنظيم أفكاره وحبكها الحبكة المناسبة ونظمها عقدا يسهل على عقول المشاهدين هضمه كمادة برامجية
الرسالة :-
أن يحدد خارطة طريقه في الحياة ويسخر قلمه لرسالة معينة يبرع في استخدام أدواته لتوصيلها
التحدي :-
أن يملك الجرأة وروح التحدي والقدرة التي ترى الخطأ فتسميه خطأ والصواب وتسميه صواب وأن يكون هدفه من الإعداد إرضاء قناعاته لا قناعات غيره
الإدراك :-
ويعني المعرفة التامة بسياسة المؤسسة التي يعمل لديها والايمان بأهدافها .
المبادأة :-
لايجب على أي معد في الدنيا أن يعمل بعقل الموظف الذي ينتظر التوجيهات ليعمل ولا أن يعمل فقط من أجل الوظيفة ولو على حساب رسالته بل يجب عليه أن يحب مهنته في البداية وأن يبادر بطرح الأفكار التي تختصر الطريق نحو تلك الرسالة التي أسلفنا توافقها مع سياسة الجهاز او المؤسسة التي ينتمي إليها
التطوير :-
أن يملك ا المقدرة على تطوير نفسه وأدواته
المتابعة:-
أن يكون قادرا على متابعة المستجدات العلمية والثقافية والحدثية المختلفة
الثقافة :-
أن يكون شغفا الثقافة العامة والقراءة والاطلاع والمعرفة
القدوة :-
يجب عليه الحرص على أن يكون قدوة للآخرين ففاقد الشيء لايعطيه ومن لايتحلى بالقيم الاجتماعية الفاضلة لايمكنه غرسها ومن ينادم الرزيلة لايمكنه التحذير منها
المعرفة التامة بطبيعة الثوابت اللفظية :-
لكل مجتمع أو حتى لكل جهاز مصطلحات محددة يجب أن يعيها المعد جيدا فمثلا بعض الأجهزة الاعلامية تقول ( الكيان الصهيوني ) وبعض آخر يستخدم عبارة ( العدو الصهيوني ) وبعض ثالث يستخدم عبارة ( إسرائيل ) ولكل مصطلح دلالاته التي تحدد موقف المؤسسة الاعلامية من قضية فلسطين وأي خطا في اللفظ قد يعني الكثير ... كذلك بعض الدول تستخدم عبارة الأخ الرئيس وبعضها يستخدم عبارة السيد الرئيس وبعضها جلالة الملك وبعضها صاحب السمو أو سمو وبعضها خادم الحرمين الشريفين وبعضها العاهل وبعضها جلالة السلطان المعظم وما إلى ذلك من مصطلحات تبدأ بقمة الهرم وتنتهي بالتعاملات الرسمية وحتى الشعبية وعلى المعد أن يكون حريصا جدا لأن أي خطأ في استعمال هذه الاصطلاحات قد يكلف الكثير .
وفي قضية العراق على سبيل المثال تستخدم بعض الأجهزة عبارة ( الاحتلال ) الأمريكي وبعضها يستخدم عبارة ( الجيش ) الأمريكي ولكل مستخدم دلالاته وموقفه ومقصده .
هذه هي الصفات الأساسية التي يجب أن تتوفر في معد البرامج بجانب الصفات الأخرى التي ورد ذكرها
0 التعليقات :
إرسال تعليق